Total Pageviews

Saturday, July 28, 2012

المواساة فى رمضان ..!




من طبيعة الإنسان الغفْلة والنسيان،
ومن صفات الدنيا الغرور والإلْهاء،
وإذا ما اجتمع على الإنسان غفلة ونسيان،
ومتاعُ الدنيا وزخرفُها
فإن قلبه يقْسُو، ونفسه تعصي،

ومن ثم يضْعُف إيمانه بالله تعالى
وتقل رغبتُه في الدار الآخرة، ويجتمع همُه كله للدنيا؛ ففي حُظوظها يُنافس، وفي سبيلها يُجاهد.



ولهذا فإن الله تعالى قد رحم البشرية بالنُبُوءات،
وشرع لها الشرائع التي تدلها على التوحيد والإيمان،
وتُهذب فيها السلُوك والوجدان،
وتزرع فيها الرحمة والرأفة بالعباد؛
فبرحْمة الله تعالى يتراحمُون؛
وبها يتواصلُون ويتعاطفُون،
ويرق قويُهم لضعيفهم، ويُعين قادرُهم عاجزهم،
ويحْنو كبيرُهم على صغيرهم.

وهذه الخصالُ الحميدة يتحلى بها أهل الإسلام والإيمان،
وإذا ما ضعُف إيمانُهم، أو قل إحسانُهم، أو فترتْ عزائمُهم،
أو تسلطتْ عليهم شياطينُهم فجمحت بهم إلى زخارف الدنيا جاءهم ما يذكرهم ربهم، ويزيد في إيمانهم، ويُجدد رغبتهم في الآخرة،


كما في شهر رمضان الذي يعود كل عام،
تنبعثُ فيه النفوس من كسلها، ويتجدد نشاطها، وتقوى عزائمها، ويزداد إيمان المؤمنين،


وتشْتد رغبتهم فيما عند الله تعالى فلا تراهم إلا رُكعا سُجدا، يذكرون الله تعالى ويتلون كتابه، ويُخْلصُون الدعاء له وحده، ويرجُون رحمته، ويخافون عذابه،


مع محبة وخشوع وإنابة؛ فتزْكو نُفُوسُهم، وترق قلوبهم، وتجود مدامعُهم، وترخص الدنيا في ميزانهم؛ فيرفع عنهم التحاسُد والتباغُض والتقاطُع؛ لأن الحسد والبغْضاء والقطيعة أخلاق فاسدة، كان سببها حبُ الدنيا، وقد سما بهم إيمانُهم عن الدنيا؛ فأصبحوا من طُلاب الآخرة.

إنك ترى مظاهر ذلك في رمضان أينما يممْت وجهك في بلد من بُلدان المسلمين، أو أي بقعة فيها مسلمون يصومون لله تعالى ويُصلُون.

ترى كثْرة المتصدقين، وتُشاهد موائد لإفطار الصائمين، وتلْحظ المواساة بين الناس.


وهذا مقصد عظيم من مقاصد الصوم، ومعنى أراده الشارع الحكيم؛ ليُهذب الأخلاق، ويسْمُو بنفوس الصائمين؛


كما سئل أحد السلف: "لم شُرع الصيام؟"
قال: "ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع" 

وهكذا سار صحابتُه رضي الله عنهم والتابعون لهم بإحسان على هذا المنهج القويم من مُواساة إخوانهم، والإحسان إليهم، ويزداد هذا الخُلُق فيهم إذا كانوا صياما؛ كما كان ابنُ عمر رضي الله عنهما يصوم ولا يفطر إلا مع المساكين، فإذا منعهم أهله عنه لم يتعش تلك الليلة! وكان إذا جاءه سائل، وهو على طعامه أخذ نصيبه من الطعام، وقام فأعْطاه السائل، فيرجع وقد أكل أهلُه ما بقي في الجفْنة، فيصبح صائما ولم يأكلْ شيئا.

واشتهى أحد الصالحين طعاما وكان صائما، فوُضع بين يديه عند فطوره، فسمع سائلا يقول: "من يُقرض الْملي الوفي الغني"، فقال: "عبده المعدم من الحسنات؛ فقام فأخذ الصحْفة فخرج بها إليه، وبات طاويا".

وجاء سائل إلى الإمام أحمد رحمه الله تعالى فدفع إليه رغيفيْن كان يعدهما لفطره، ثم طوى، وأصبح صائما.

قال الشافعي رحمه الله تعالى: "أُحبُ للرجل الزيادة بالجُود في شهر رمضان؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم؛ ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم" 

إن رمضان شهر المُواساة؛
فالشبعان من المسلمين يصوم ويجوع؛ ليُواسي إخوانه الجوْعى، ويُقاسمهم طعامه؛ ولربما لو لم يصُمْ ولم يصبه الجوع ما تذكرهم.
وصاحب الثراء يصوم كذلك؛ ليتذكر حال إخوانه الفقراء والمُحْتاجين؛ فيدْفع لهم زكاته، ويتصدق عليهم من فضول أمواله.

وكم في الناس من أثرياء كانوا من قبل فُقراء مُعْدمين قد ذاقوا قرص الجوع، وألم الحرْمان،


أنعم الله عليهم بالخير الوفير، فأصابهم الثراء بعد الفقر، فأسرفوا في رزق الله تعالى لهم، ولم يُؤدُوا حقه عليهم، ونسُوا أن لهم إخوانا لا زالوا يذُوقُون قرص الجوع الذي ذاقوه هم من قبلُ،


ويُعالجُون الفقر الذي أصابهم فيما مضى، فإذا ما صامُوا وجاعوا تذكروا ماضيهم البئيس، وما أنعم الله عليهم به من الغنى والخير، فشكروا الله تعالى على ذلك، وتابوا من سرفهم، وواسوا إخوانهم المحْرُومين.

لا تنس إخوانك!!
إذا ما اقتربت الشمس من مغيبها،
وتهيأت الأسرة لإفطارها، ومُدت الموائد بأنواع الطعام والشراب هل تتذكر -أخي الصائم- إخوانا لك شردتْهُم قُوى الظلم والطغيان فهم في العراء، لا بُيوت تُكنُهم، ولا لباس يقيهم بأسهم، يبيتون بلا طعام، ويتسحرون بلا سحور، ويفطرون على ماء، يتسولُون الجمعيات التنصيرية بُلْغة من عيش، أو كفا من دقيق، أو رغيفا من خبز، فلا تدفع إليهم إلا بعد مُساومتهم على دينهم، وعلى صلاتهم، وصومهم!!


إنهم إخوان لك قد شهدوا شهادة الحق، وصدقوا المرسلين، كان ثباتُهم على دينهم، ومطالبتهم بحقوقهم سببا في تشريدهم من ديارهم، وحشْرهم في ملاجئ تفتقد ضروريات الحياة، فهلا شعرت بهم وأنت تتهيأُ لإفطارك، واقتصدت في مائدتك، ودفعت إليهم حق الله تعالى عليك، وحق أُخُوتهم لك، ورفعت أكُف الضراعة بالدعاء لهم؟!


فإن كنت في كل ليلة تفرح بفطرك،
فإن تلك الفرحة قد نسوها مُذْ شُردُوا من أوطانهم،


أسأل الله تعالى أن يُفرج عنهم، وأن لا يحرمهم الفرحة الثانية، كما أسأله عز وجل أن لا يعذبني بنسيانهم، وأن لا يجعل فرحتي وإياك واحدة، وأن يجمع لي ولك بين الفرحتيْن اللتين ذكرهما النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح؛ وإذا لقي ربه فرح بصومه»



وأنا وأنت في كل يوم -بحمد الله وشكره- نحس الفرحة الأولى عند فطرنا،
فعسى أن لا نُحْرم الثانية بتقصيرنا في حق إخواننا.


انتبه للمستحقين واحذر المُتسولين:
بسبب ضعف المُواساة بين الناس، وعدم اتصال الأغنياء بالفقراء، وتلمُس حاجاتهم؛ صار الأغنياء يحتارون أين يضعون صدقاتهم؟ ولمن يدفعون زكواتهم؟!


فظهر لهم في طُرقاتهم ومساجدهم، وأسواقهم،
ووظائفهم تُجار يتاجرون بالسؤال، ويتقمصُون شخصيات الفُقراء وأصحاب العاهات، وكثير منهم ليس بمحتاج؛ ولكنه يسأل الناس تكثُرا، والمحتاج منهم حقا لا خوف عليه؛ لأنه سيجد من الناس من يُعطيه؛ ولكن الخوف على أُسر منعها التعفُفُ والكرامةُ أن تُخْرج نساءها وأطفالها يسألون الناس؛ فباتوا طاوين جائعين، إن فطن لهم رجل صالح يتحسس أحوال المُحْتاجين حقا جاءهم الفرج؛ وإلا بقوا في بؤسهم إلى ما شاء الله تعالى.


ولو أن الناس كفوا أيديهم عن السائلين،
وخالط الأغنياءُ الفقراء؛ لوقعت الزكوات والصدقات في أيدي من يسْتحقُها؛ ولقُضي على مظاهر التسول المذموم.




أما والذي جعل الصيام مساواة بين الناس، ومواساة للبؤساء والمُعْدمين لو أن كل صائم مقتدر أطعم صائما معوزا، ولو أن كل أسرة مُوسرة أسعفتْ عائلة مُعْسرة؛ لما بقي في المسلمين بائس ولا فقير؛ ولكان الصيام موْسما للخير لا تنتهي بركاتُه وحسناتُه؛ ولحققنا الخيرية التي وصفنا الله تعالى بها بقوله: {كُنْتُمْ خيْر أُمةٍ أُخْرجتْ للناس} [آل عمران: 110]، ففتش -أخي الصائم- عن جيرانك، فتش عن أقاربك، فتش عن إخوانك اللاجئين، وحذار أن تنسى برهم وإسعادهم، وإشراكهم معك في نعمة الله تعالى عليكم.




أيها الصائم:
اذكر حين تجتمع مع زوجك وأطفالك؛ لتمْلؤُوا بطونكم ريا وشبعا، اذكر في تلك اللحظات جوْع الجائعين، ولوعة المُلْتاعين، وعبرات البائسين، واخش أن لا يتقبل الله لك صياما ولا طاعة، وحولك بُطون جائعة تستطيع إشباعها، ونفوس حائرة تملك إسعادها،


واذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ليس المؤمنُ الذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه»


وتحر في صدقاتك أهل الحاجات،
ولا تتخلص منها بإلقائها في يد أقرب سائل؛
فإن الذمة لا تبْرأ إلا بعد الاجتهاد والتحري،
واسأل أهل الخبرة في ذلك من الصالحين، والعاملين في مجالات البر والإحسان إن كنت تعجز عن البحث بنفسك. واجعل نصب عينك قول المولى عز وجل: {وما تُقدمُوا لأنْفُسكُمْ منْ خيْرٍ تجدُوهُ عنْد الله هُو خيْرا وأعْظم أجْرا واسْتغْفرُوا الله إن الله غفُور رحيم} [المزمل: 20].

أسأل الله تعالى بمنه وكرمه
أن يتقبل صيامي وصيامك وصيام المسلمين،


وأن يجعلنا من عباده الصالحين،
والحمد لله رب العالمين،
وصلى وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه أجمعين.

No comments:

Post a Comment