Total Pageviews

Thursday, January 24, 2013

@@@ احياناً تكره انك انسان

  


احياناً تكره انك انسان 


كان البلبل يأتي كل فجر الى حديقة القصر ..
فإن شجيرات الورد فيها تفتنه ..
وكانت هناك نافورة يستهويه ان يتلقى رذاذها على جناحيه
وهو يحوم ويحاول عبثاً ان يلتقط بمنقاره حصاها الملون .


وكان في القصر طفل جميل
من اجله كان البلبل يتسلق الاغصان لكي يراه وهو يمرح
في الشرفة الكبيرة ويروقه ان يسمعه تغريده.


ولكن الحديقة في ذلك الصباح كانت صامته !
الطفل وهو في العاشرة من عمره
جلس واجما في الشرفه لا مرح في عينيه ،
ولا رغبة له في سماع صوت لبلبل


والبستاني لم يفتح النافورة
وكأنه يضن عليه بالرذاذ اليومي الذي يستحم فيه ،



والسيد صاحب القصر
لم يخرج مبكراً كدأبه ولم يقطف الوردة
التي كان من عادته ان يرشقها في عروة سترته
وهو في طريقه الى سياارته ،


واخذ البلبل يحوم في الحديقة
حتى عثر على غصن شجرة امام نافذة مفتوحة ،
وعرف سبب الصمت الذي يخيم على المكان


وجد السيد صاحب القصر طريح فراشه
يعلو صدره ويهبط في كرب شديد ،
وزوجته جالسه الى جوار السرير
تضع على جبينه يداً مشفقه..


ثم اندفع الى الحجرة في عجلة
ثلاثة رجال في ايديهم حقائب صغيرة فتحوها واخرجوا السماعات ،
واقبلوا يفحصون المريض.

 انهم الاطباء ، ويحقنونه ويقيسون نبضه ،
ولكنهم يتبادلون طول الوقت نظرات قلقة ويهزون رؤوسهم في اسف ..
وعندما غادروا الحجرة
تبعتهم السيدة ورأهم البلبل في الحديقة في طريقهم الى باب الطريق ،
وقد بدأوا في اشعال سجائرهم



وانفرجت اساريرهم وتساءل احدهم ..
" كم من الملاين سيتركها هذا السيد الثري ؟ "


وقال الثاني ..
" كان طوال حياته قاسماً مشتركاً في مجالس ادارة شركات ضخمة
وكل مؤسسة ناجحة كانت له فيها اسهم"


واضاف الثالث
" كانت كلمته تلحق الجمود بالحركة الدائبة ، وتأمر المقادير الواقفة في انتظار اشارة منه لكي تجري وتعدو .. كان يلعب بالذهب "


وعندما انطلقت سيارات الاطباء الثلاثة
وضع كل منهم في نفس الوقت تقريبا يده في جيبه واخرج المظروف الذي قدمته السيدة
والقى الاتعاب نظرة قصيرة فاحصة

وقال احدهم لنفسه .. 
لم يبقى لي في ذمته الا اجر شهادة الوفاة التي سأكتبها غداً او بعد غد له .. يرحمه الله "



وعادت عين البلبل الى غرفة المريض
 ورأى السيدة وقد انتابها اضطراب وتوتر وهي
تحاول ان تضع القلم بين انامل المريض ليوقع على ورقة
والانامل متخاذلة ترتعش
والسيدة تقول له بلطف وحزن
دفنت شبابي في شيخوختك والاعمار بيد الله والحذر واجب ..


كنت تقول لي دائما انك ستعوضني في التركة ..
ثم ينفذ صبرها وتفح في اذنه " وقع الان على الوصية"


ويلتقط المحتضر انفاسه ..
 لا يعنيه ان يعيش او يموت
وقد استنفذ لحظاته الاخيرة
ويوقع على الورقة ثم يسقط القلم من يده


وتميل رأسه على الوسادة وتغطي السيدة وجهه بملاءة السرير
والارتياح يسعى الى قسماتها المتقلصة 

ثم ترفع سماعة الهاتف وتقول لمحاميها وهي تلقي على الورقة نظرة فاحصة ..
حدثت المعجزة لقد وقع قبل ان يموت
 تعال قبل ان يصل ابنه
انت تعرف ما تتعرض له زوجة الاب في هذة الظروف من ظنون واتهامات


 وبعد ان اعادت السماعة تظاهرت بالبكاء
 وحاولت ان ستجدي الدموع في عينيها وخرجت الى الخدم والوصيفات
لتعلن خبر الوفاة وينتشر في القصر النحيب
واضطرب قلب البلبل في صدره وروعه هذا الصراخ 
وطار عن غصنه واخذ يضرب الهواء بجناحيه في كآبة..


وعصرت الحسرة قلب البلبل
عندما رأى من غصن الشجرة القريبة من مخدع المليونير المسجى في فراشه ورأهم يلفونه في اكفان من حرير
ورأى السرادق الكبير قد غص على سعته بالمشيعين من علية القوم والسرادق كان تحت الشجرة التي يأوى اليها البلبل



وسمع شاباً يتكلم بعصبية انه ابن المتوفي من زواجه الاول
وهو يتهم زوجة ابيه بانها اغتالت التركة
ويكاد يلعن اباه لانه مات فجأة
ولم يدعهم يعدون للامر عدته
وترك البلبل الابن الحانق من اغتيال ثروة ابيه


وصغى الى رجل في السرادق يقول لصاحبه
"المرحوم كان يعمل لدنياه ويغفل اخرته ان مظالمه ومخازيه لاتعد ولا تحصى "


ونهض الناس عند ظهور الجثمان واجهش البعض بالبكاء المصطنع
وقال احدهم وهو يرفع منديله الى عينيه 
"ان موته خسارة كبيرة كنت اليوم على موعد معه لكي نوقع العقد .. راحت الصفقة "


وعندما وصلت الجنازة الى المقبرة
كان البلبل في انتظارها فوق شجرة وملأ العجب قلبه
فإن الرجل الذي سمعه يهمس في اذن صاحبه
" ان حياة الراحل سلسلة من المظالم والمخازي"


 انبرى وارتجل ابياتا من الشعر المؤثر عدد فيها مآثر الفقيد وعجز البلبل عن الفهم والتفسيرواخذ يطير من شجرة الى شجرةوهو شارد النفس 


 

وعاد البلبل وقد اعتصر قلبه الحزن وكف عن التغريد ومرض ولزم عشه

ولكنه تذكر الصبي الصغير ابن المليونير
وقرر ان يتحامل على نفسه ويطير اليه ليخفف عنه 

وعندما وصل للقصر بحث عن الطفل ووجده في الشرفه
ولكنه لم يجد في عينيه الدموع التي جاء حتى يجففها 


وجده مرحاً مشغولا بلعبته الجديدة التي احضرتها له امه للتو
اما هى فجالسة مع محاميها تتدبر التركة


وانطلق البلبل متوجها الى عشه
واثناء انطلاقه صدر منه صوت عجز عن استبقائه في قلبه ..


وكان يريد بالتغريد ان يشكر الله

لأنه لم يخلق انسان 


.


No comments:

Post a Comment